كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بعضهم: إن الظاهر أن يفسر قوله تعالى: {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} بأن كل ما وعده سبحانه متحقق ويجعل قوله تاعلى: {وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} تخصيصًا بعد تعميم على معنى لا ريب في تحققها وهو وجه في الآية إة أن في دعوى الظهور مقالًا فلا تغفل {إِذْ يتنازعون} ظرف لأعثرنا عليهم قدم عليه الغاية إظهارًا لكمال العناية بكذرها.
وجوز أبو حيان وأبو البقاء وغيرهما كونه ظرفًا {لِيَعْلَمُواْ} وتعقب بأنه يدل على أن التنازع يحدث بعد الاعثار مع أنه ليس كذلك، وبأن التنازع كان قبل العلم وارتفع به فكيف يكون وقته وقته؛ وللمناقشة في ذلك مجال وجوز أن يكون ظرفًا لحق أو لوعد وهو كنا ترى.
وأصل التنازع التجاذب ويعبر به عن التخاصم، وهو باعتبار أصل معناه يتعدى بنفسه وباعتبار التخاصم يتعدى بفي كقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَىْء} [النساء: 59] وضمير {يتنازعون} لما عاد عليه ضمير {لِيَعْلَمُواْ} أي وكذلك أعثرنا على أصحاب الكهف الناس أو أهل مدينتهم حين يتنازعون {بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} ويتخاصمون فيه ليرتفع الخلاف ويتبين الحق، وضمير {أَمَرَهُمْ} قيل عائد أيضًا على مفعول {أَعْثَرْنَا} والمراد بالأمر البعث، ومعنى إضافته إليهم اهتمامهم بشأنه والوقوف على حقيقة حاله.
وقد اختلفوا فيه فمن مقربه وجاحد وقائل يقول تبعث الأرواح دون الأجساد وآخر يقول ببعثهما معا كما هو المذهب الحق عند المسلمين.
روي أنه بعد أن ضرب الله تعالى على آذان الفتية ومضى دهر طويل لم يبق أحد من أمتهم الذين اعتزلوهم وجاء غيرهم وكان ملكهم مسلمًا فاختلف أهل مملكته في أمر البعث حسبما فصل فشق ذلك على الملك فانطلق فلبس المسوح وجلس على الرماد ثم دعا الله عز وجل فقال: أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم فقيض الله تعالى راعى غنم أدركه المطر فلم يزل يعالج ما سد به دقيانوس باب الكهف حتى فتحه وأدخل غنمه فلما كان الغد بعثوا من نومعم فبعثوا أحدهم ليشتري لهم طعامًا فدخل السوق فجعل ينكر الوجوه ويعرف الطرق ورأي الإيمان ظاهرًا بالمدينة فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلًا يشتري منه طعامًا فلما نظر الورق أنكرها حيث كانت من ضرب دقيانوس كأنها اخفاف الربع فاتهمه بكنز وقال: لتدلني عليه أو لأرفعنك إلى الملك فقال: هي من ضرب الملك أليس ملككم فلانًا؟ فقال الرجل: لا بل ملكنا فلان وكان اسمه يندوسيس فاجتمع الناس وذهبوا به إلى الملك وهو خائف فسأله عن شأنه فقص عليه القصة وكان قد سمع أن فتية خرجوا على عهد دقيانوس فدعا مشيخة أهل مدينته وكان رجل منهم عنده أسماؤهم وأنسابهم فسأله فأخبره بذلك وسأل الفتى فقال: صدق ثم قال الملك: أيها الناس هذه آية بعثها الله تعالى لكم ثم خرج هو وأهل المدينة ومعهم الفتى فلما رأى الملك الفتية اعتنقهم وفرح بهم ورآهم جلوسًا مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم فتكلموا معه وأخبروه بما لقوا من دقيانوس فبينما هم بين يديه قالوا له: نستودعك الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله تعالى حفظك الله تعالى وحفظ ملكك ونعيذك بالله تعالى من شر الإنس والجن ثم رجعوا إلى مضاجعهم فتوفاهم الله تعالى فقام الملك إليهم وجعل ثيابه عليهم وأمر أن يجعل كل منهم في تابوت من ذهب فلما كان الليل ونام أتوه في المنام فقالوا: أردت أن تجعل كلا منا في تابوت من ذهب فلا تفعل ودعنا في كهفنا فمن التراب خلقنا وإليه نعود فجعلهم في توابيت من ساج وبنى على باب الكهف مسجدًا.
ويروى أن الفتى لما أتى به إلى الملك قال: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل هذه المدينة وذكر أنه خرج أمس أو منذ أيام وذكر منزله وأقوامًا لم يعرفهم أحد وكان الملك قد سمع أن فتية قد فقدوا في الزمان الأول وأن أسماءهم مكتوبة على لوح في الخزانة فدعا باللوح ونظر في أسمائهم فإذا هو من أولئك القوم فقال الفتى: وهؤلاء أصحابي فركب القوم ومن معه فلما أتوا باب الكهف قال الفتى: دعوني حتى أدخل على أصحابي فأبشرهم فإنهم إذا رأوكم معي رعبوا فدخل فبشرهم وقبض الله تعالى أرواحهم وعمي على الملك ومن معه أثرهم فلم يهتدوا إليهم فبنوا عليهم مسجدًا وكان وقوفهم على حالهم باخبار الفتى وقد اعتمدوا صدقه وهذا هو المراد بالاعثار عليهم، وروي غير ذلك، وقيل: ضمير {أَمَرَهُمْ} للفتية والمراد بالأمر الشأن والحال الذي كان قبل الاعثار أي وكذلك أعثرنا الناس على أصحاب الكهف حين تذاكرهم بينهم أمرهم وما جرى لهم في عهد الملك الجبار من الأحوال والأهوال، ولعلهم قد تلقوا ذلك من الأساطير وأفواه الرجال لكنهم لم يعرفوا هل بقوا أحياء أم حل بهم الفناء، والفاء في قوله تعالى: {فَقَالُواْ ابنوا} بناء على القول الأول فصيحة بلا ريب على دأب اخصارات القرآن كأنه قيل: وكذلك اعثرنا الناس على أصحاب الكهف حين تنازعهم في أمر البعث فتحققوا ذلك وعلموا أن هؤلاء آية من آياتنا فتوفاهم الله تعالى بعد أن حصل الغرض من الاعثار فقالوا {ابنوا} إلى آخره، وكذلك على القول الثاني كأنه قيل وكذلك أعثرنا الناس على أصحاب الكهف حين تذاكرهم أمرهم وما جرى لهم في عهد الملك الجبار ولم يكونوا عارفين بما هم عليه فوقفوا من أحوالهم على ما وقفوا واتضح لهم ما كانوا قد جهلوا فتوفاهم الله تعالى بعد أن حصل الغرض من الاعثار فقالوا {ابنوا} إلى آخره أي قال بعضهم ابنوا {عَلَيْهِمْ} أي على باب كهفهم {بنيانا} نصب على أنه مفعول به، وهو كما قال الراغب واحد لا جمع له، وقالوا أبو البقاء: هو جمع بنيانة كشعير وشعيرة، وقيل: هو نصب على المصدرية، وهذا القول من البعض عند بعض كان عن اعتناء بالفتية وذلك أنهم ضنوا بتربهم فطلبوا البناء على باب كهفهم لئلا يتطرق الناس إليهم.
وجوزوا في قوله تعالى: {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} بعد القول بأنه اعتراض أن يكون من كلام المتنازعين المعثرين كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك فوضوا العلم إلى الله تعالى علام الغيوب، وأن يكون من كلامه سبحانه ردا للخائضين في أمرهم إما من المعثرين أو ممن كان في عهده صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وحينئذ يكون فيه التفات على أحد المذهبين، وقيل: ضمير {أَمَرَهُمْ} للفتية والمراد بالأمر الشأن والحال الذي كان بعد الإعثار على أن المعنى إذ يتنازعون بينهم تدبير أمرهم وحالهم حين توفوا كيف يفعلون بهم وبماذا يجعلون قدرهم أو إذ يتنازعون بينهم أمرهم من الموت والحياة حيث خفي عليهم ذلك بعد الاعثار فلم يدروا هل ماتوا أو ناموا كما في أول مرة، وعلى هذا تكون {إِذْ} معمولا لا ذكر مضمرًا أو ظرفًا لقوله تاعلى: {قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا} ويكون قوله تعالى: {فَقَالُواْ} معطوفًا على {يتنازعون} وإيثار صيغة الماضي للدلالة على أن هذا القول ليس مما يستمر ويتجدد كالتنازع.
وصرح بعض الأجلة أن الفاء على أول المعنيين للتعقيب وعلى ثانيهما فصيحة كأنه قيل: اذكر حين يتنازعون في أنهم ماتوا أو ناموا ثم فرغوا من التنازع في ذلك واهتموا باجلال قدرهم وتشهير أمرهم فقالوا: {ابنوا} إلى آخره، وذكر الزمخشري احتمال كون ضمير {أَمَرَهُمْ} للمعثرين وان المراد من أمرهم أمر دينهم وهو البعث واحتمال كون الضمير للفتية، والمعنى حينئذ إذ يتذاكر الناس بينهم أمر أصحاب الكهف ويتكلمون في قصتهم وما أظهر الله تعالى من الآية فيهم أو إذ يتنازعون بينهم تدبير أمرهم حين توفوا كيف يخفون مكانهم وكيف يسدون الطريق إليهم، وجعل إذ في الأوجه ظرفًا لأعثرنا.
وذكر صاحب الكشف أن الفاء على الأول فصيحة لا محالة وعلى الأخيرين للتعقيب، أما على الثاني منهما فظاهر، وأما على الأول فلأنهم لما تذاكروا قصتهم وحالهم وما أظهر الله تعالى من الآية فيهم قالوا: دعوا ذلك وابنوا عليهم بنيانًا أي خذوا فيما هو أهم إلى آخر ما قال، واحتمال جعل الفاء فصيحة على هذا الأول غير بعيد، وتعلق الظرف بأعثرنا على الوجهين الأخيرين وكذا على ما نقلناه آنفًا ليس بشيء لأن اعثارهم ليس في وقت التنازع فيما ذكر بل قبله. وجعل وقت التنازع ممتدًا يقع في بعضه الاعثار وفي بعضه التنازع تعسف لا يخفى مع أنه لا مخصص لإضافته إلى التنازع وهو مؤخر في الوقوع.
وحكى في البحر أن ضمير {لِيَعْلَمُواْ} عائد على أصحاب الكهف، والمراد اعتثرنا عليهم ليزدادوا علمًا بأن وعد الله حق إلى آخره، وجعل ذلك غاية للاعثار بواسطة وقوفهم بسببه على مدة لبثهم بما تحققوه من تبدل القرون، وجعل {إِذْ يتنازعون} على هذا ابتداء أخبار عن القوم الذين بعثوا في عهدهم، وخص الأمر المتنازع فيه بأمر البناء والمسجد، ويختار حينئذ تعلق الظرف باذكر، ولا يخفى أن جعل ذلك الضمير للفتية وإن دعا لتأويل يعلموا بما سمعت ليس ببعيد الإرادة من النظم الكريم إذا قطع النظر عن الأمور الخارجية كالآثار، ولم يذهب أحد فيما اعلم إلى احتمال كون الضمائر في قوله تعالى: {إِذْ يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} عائدة على الفتية كضمير يعلموا، و{إِذْ} ظرف {أَعْثَرْنَا} والمراد بالأمر المتنازع مقدار زمن لبثهم وتنازعهم فيه قول بعضهم {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] وقول الآخر ردًا عليه {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] وحيث لم ينصح الحال ولم يحصل الإجماع على مقدار معلوم كان التنازع في حكم الباقي فكان زمانه ممتدًا فصح أن يكون ظرفًا للاعثار وضمير {فَقَالُواْ} للمعثرين والفاء فصيحة أي وكذلك أعثرنا الناس على الفتية وقت تنازعهم في مدة لبثهم ليزدادوا علمًا بالبعث فكان ما كان وصار لهم بين الناس شأن أي شأن فقالوا: {ابنوا} إلى آخره.
وكأن ذلك لما فيه من التكلف مع عدم مساعدة الآثار إياه، ثم ما ذكر من احتمال كون {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} من كلامه سبحانه جيء به لرد المتنازعين من المعثرين لا يخلو عن بعد، وإما الاحتمال الأخير فبعيد جدًا، والظاهر أنه حكاية عن المعثرين وهو شديد الملاءمة جدًا لكون التنازع في أمرهم من الموت والحياة، والذي يقتضيه كلام كثير من المفسرين أن غرض الطائفتين القائلين {ابنوا} إلى آخره والقائلين {لَنَتَّخِذَنَّ} إلى آخره تعظيمهم وإجلالهم، والمراد من الذين غلبوا على أمرهم كما أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة الولاة، ويلائمه {لَنَتَّخِذَنَّ} دون اتخذوا بصيغة الطلب المعبر بها الطائفة الأولى فإن مثل هذا الفعل تنسبه الولاة إلى أنفسها، وضمير {أَمَرَهُمْ} هنا قيل للموصول المراد به الولاة، ومعنى غلبتهم على أمرهم أنهم إذا أرادوا أمرًا لم يتعسر عليهم ولم يحل بينه وبينهم أحد كما قيل.
في قوله تعالى: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} [يوسف: 21].
وذكر بعض الأفاضل أن الضمير لأصحاب الكهف، والمراد بالذين غلبوا قيل الملك المسلم، وقيل أولياء أصحاب الكهف؛ وقيل رؤساء البلد لأن من له الغلبة في هذا النزاع لابد أن يكون أحد هؤلاء، والمذكور في القصة أن الملك جعل على باب الكهف مسجدًا وجعل له في كل سنة عيدًا عظيمًا.
وعن الزجاج أن هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث لأن المساجد إنما تكون للمؤمنين به انتهى.
ويبعد الأول التعبير بما يدل على الجمع، والثاني إن أريد من الأولياء الأولياء من حيث النسب كما في قولهم أولياء المقتول أنه لم يوجد في أثر أن لأصحاب الكهف حين بعثوا أولياء كذلك.
وفسر غير واحد الموصول بالملك والمسلمين ولا بعد في إطلاق الأولياء عليهم كما في قوله تعالى: {المؤمنين والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71] ويدل هذا على أن الطائفة الأولى لم تكن كذلك، وقد روي أنها كانت كافرة وأنها أرادت بناء بيعة أو مصنع لكفرهم فمانعهم المؤمنون وبنوا عليهم مسجدًا.
وظاهر هذا الخبر أن المسجد مقابل البيعة، وما أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من أن الملك بنى عليهم بيعة فكتب في أعلاها أبناء الأراكنة أبناء الدهاقين ظاهر في عدم المقابلة، ولعله الحق لأنه لا يصح أن يراد بالمسجد هنا ما يطلق عليه اليوم من مصلي المحمديين بل المراد به معبد المؤمنين من تلك الأمة وكانوا على ما سمعت أولا نصارى وإن كان في المسألة قول آخر ستسمعه إن شاء الله تعالى قريبًا ومعبدهم يقال له بيعة، وظاهر ما تقدم أن المسجد اتخذ لأن يعبد الله تعالى فيه من شاء وأخرج أبو حاتم عن السدى أن الملك قال: لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسجدًا فلأعبدن الله تعالى فيه حتى أموت، وعن الحسن أنه اتخذ ليصلي فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا، وهذا مبني على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أولًا وإليه ذهب بعضهم بل قيل إنهم لا يموتون حتى يظهر المهدي ويكونوا من أنصاره ولا معول على ذلك وهو عندي أشبه شيء بالخرافات.
ثم لا يخفى أنه على القول بأن الطائفة الأولى الطالبة لبناء البنيان عليهم إذا كانت كافرة لم تكن غاية الاعثار متحققة في جميع المعثرين، ولا يتعين كون {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} مساقًا لتعظيم أمر أصحاب الكهف، ولعل تلك الطائفة لم تتحقق حالهم وأنهم ناموا تلك المدة ثم بعثوا فطلبت انطماس الكهف عليهم وأحالت أمرهم إلى ربهم سبحانه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وقرأ الحسن، وعيسى الثقفي {غَلَبُواْ} بضم الغين وكسر اللام على أن الفعل مبني للمفعول، ووجه بذلك بأن طائفة من المؤمنين المعثرين أرادت أن لا يبني عليهم شيء ولا يتعرض لموضعهم وطائفة أخرى منهم أرادت البناء وأن لا يطمس الكهف فلم يمكن للطائفة الأولى منعها ووجدت نفسها مغلوبة فقالت: إن كان بنيان ولابد فلنتخذن عليهم مسجدًا.
هذا واستدل بالآية على جواز البناء على قبور الصلحاء واتخاذ مسجد عليها وجواز الصلاة في ذلك.
وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي وهو قول باطل عاطل فاسد كاسد، فقد روي أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله تعالى زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» ومسلم «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» واحمد عن أسامة وهو الشيخان والنسائي عن عائشة، ومسلم عن أبي هريرة: «لعن الله تعالى اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وأحمد والشيخان والنسائي «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق يوم القيامة» وأحمد والطبراني «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد» وعبد الرزاق «من شرار أمتي من يتخذ القبور مساجد» وأيضًا «كانت بنوا اسرائيل اتخذوا القبور مساجد فلعنهم الله تعالى» إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة وذكر ابن حجر في الزواجر أنه وقع في كلام بعض الشافعية عد اتخاذ القبور مساجد والصلاة إليها واستلامها والطواف بها ونحو ذلك من الكبائر، وكأنه أخذ ذلك مما ذكر من الأخاديث، ووجه اتخاذ القبر مسجدًا واضح لأنه عليه الصلاة والسلام لعن من فعل ذلك في قبور الأنبياء عليهم السلام وجعل من فعل ذلك بقبور الصلحاء شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة ففيه تحذير لنا، واتخاذ القبر مسجدًا معناه الصلاة عليه أو إليه وحينئذ يكون قوله والصلاة إليها مكررًا إلا أن يراد باتخاذها مساجد الصلاة عليها فقط، نعم إنما يتجه هذا الأخذ إن كان القبر قبر معظم من نبي أو ولي كما أشارت إليه رواية: «إذا كان فيهم الرجل الصالح» ومن ثم قال أصحابنا: تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركًا وإعظامًا فاشترطوا شيئين أن يكون قبر معظم وأن يقصد الصلاة إليها، ومثل الصلاة عليه التبرك والاعظم، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهر من الأحاديث، وكأنه قاس عليه كل تعظيم للقبر كإيقاد السرج عليه تعظيمًا له وتبركًا به والطواف به كذلك وهو أخذ غير بعيد سيما وقد صرح في بعض الأحاديث المذكورة بلعن من اتخذ على القبر سراجًا فيحمل قول الأصحاب بكراهة ذلك على ما إذا لم يقصد به تعظيمًا وتبركًا بذي القبر.